منوعات

سجال الشيخ بخيت وطه حسين مع الأزهر بشأن «مشقة الصيام»

الأزهر الصيام رمضان

في شهر رمضان عام 1955م، ضجت الصحافة المصرية بصراع فكري بشأن فتوى دينية أصدرها الشيخ الأزهري عبد الحميد بخيت، يبيح فيها إفطار رمضان لمن يشق عليه الصيام، مما أثار سجالاً واسعة بين مشايخ ومثقفي مصر حينذاك.

ودافع الشيخ بخيت، عن فتواه التي جاءت في مقال له بجريدة «الأخبار» حول «حديث الصيام»، معتبراً أن الله لم يخلق البشر ليعذبهم بل لتعويدهم الصبر؛ ما دفع أوساط دينية للمطالبة بمعاقبة الشيخ، بالتفريق بينه وبين زوجته، وطالب آخرون بتشكيل لجنة للتحقيق معه وفصله من الأزهر.

لكن فريق آخر، من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر، فاجأ الجميع بإصدار بيان رافض لمحاكمة الشيخ بخيت، قالوا فيه: “ليس من مصلحة العلم والدين أن نصادر الآراء والحريات وأن يهدد الباحثون والكاتبون بالمحاكمات والاضطهادات”.

لم تشفع مناشدات الفريق المتعاطف مع الشيخ بخيت، لإنقاذ موقفه، حيث أحيل المحاكمة التأديبية، وعقد مجلس تأديبي برئاسة الشيخ الحسيني سلطان وكيل الأزهر يتهمه بتهمة إصدار فتوى نشرت بجريدة الأخبار تبيح الإفطار في رمضان، إذا كان في الصوم مشقة.

وعلق الشيخ بخيت، على محاكمته أنه يشعر كما لو كان جندياً يناضل لتحطيم الوثنية الدينية. وبعد مرافعات عديدة، قرّر مجلس التأديب إبعاد الشيخ بخيت عن التدريس. وأعلن الأزهر في بيان له بأن الفتوى مخالفة صريحة لأحكام الصوم، لقوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.

وعلى صعيد آخر، تحول مقال الشيخ بخيت إلى قضية رأي عام لما رأه مُثقفوا مصر وقتها، أنه مساس بحرية الرأي والتعبير، حيث بدأت سلسلة مقالات في هذا الشأن، كان أبرزها، ما كتبه عميد الأدي العربي الدكتور طه حسين في جريدة الجمهورية في 6  يونيو عام 1955 تحت عنوان «حق الخطأ».

وعارض طه حسين، محاكمة علماء الأزهر علي ما يبدونه من آراء، معاتباً الأزهر على ما وصفه بجموده وثباته علي القديم وعدم قدرته علي فتح الباب أمام الاجتهاد، مضيفاً: “من حق الناس أن تخطئ، وويل لأمة يعاقب الناس فيها علي الخطأ.. وويل لأمة لا تعرف الحرية ولا تقدر ولا تقيم أمرها علي القصد والاعتدال، وإنما تقيمه علي الغرور.

وطالب «حسين»، شيخ الأزهر بالعدول عن هذه القضية، معتبراً أنه لا خير فيها للأزهر ولا لمصر ولا للإسلام، داعيا إياه إلى دعوة الشيخ بخيت، وأن يعظه وينصح له برفق، وأن يطب منه الاحتياط قبل أن ينشر علي الناس.

لكن بعض شيوخ الأزهر، قد هاجموا الدكتور طه حسين، لدفاعه عن الشيخ بخيت؛ ما دفع المفكر الغسلامي الشيخ محمد الغزالي للدخول على خط الأزمة، كاتباً مقال للرد على مُهاجمي «حسين»، بعنوان “أين الحياء يا شيوخ الأزهر” . كما شارك الكاتب الكبير جلال الدين الحمامصي في الدفاع عن موقف الشيخ بخيت، بكتابة مقال تحت عنوان “يا شيخ الأزهر افتح النوافذ”، فيما سخر رسامو الكاريكاتير من الشيخ بخيت، بينهم من رسم كاريكاتير يحلل القبلة طالما لم تصل إلى المعدة.

أما الشيخ عبد الحميد بخيت، فرفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري المصرة، مطالباً بإيقاف الحكم الصادر بتوقفه عن العمل، وقضت المحكمة بعودته إلى التدريس بالأزهر.